النفط بين الجغرافيا والسياسة قراءة في مستقبل أسعار الطاقة العالمية
أولًا: الجغرافيا – قلب الطاقة النابض
تتمركز معظم احتياطيات النفط في مناطق جغرافية عالية الحساسية مثل الخليج العربي، بحر قزوين، وشمال إفريقيا،
ما يجعل الإمدادات النفطية رهينة الاستقرار الأمني والسياسي في هذه المناطق.
تعتمد التجارة العالمية على ممرات بحرية حيوية كـمضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، وهي نقاط عبور
لا تتجاوز مساحتها مئات الكيلومترات لكنها تتحكم في مسار ملايين البراميل يوميًا. أي اضطراب في هذه الممرات – حتى
لو كان مؤقتًا – قد يرفع الأسعار عالميًا بنسبة تتراوح بين 5% و10% خلال أيام، ما يؤكد أن الجغرافيا تظل البوصلة الأولى
لحركة السوق النفطية.
ثانيًا: السياسة – نفوذ الطاقة وأدوات النفوذ
النفط لم يعد مجرد سلعة اقتصادية، بل تحول إلى ورقة ضغط استراتيجية في يد القوى الكبرى.
فالولايات المتحدة توظف احتياطياتها الاستراتيجية لضبط الأسعار عالميًا، بينما تلعب أوبك+ بقيادة السعودية وروسيا دور الموازن
الأساسي بين العرض والطلب عبر قرارات الإنتاج. وفي المقابل، برزت الصين والهند كمستوردين رئيسيين للطاقة، مما منح آسيا ثقلًا
جديدًا في معادلات سوق النفط العالمي. هذه التحولات جعلت منه محورًا للتوازنات الجيوسياسية، ومؤشرًا على طبيعة التحالفات
الجديدة في النظام الاقتصادي الدولي.

ثالثًا: الاقتصاد والتحول الأخضر
من الجانب الاقتصادي، يبقى الطلب عليه مرتبطًا بدورات النمو العالمي ومستويات التضخم وأسعار الفائدة. لكن في السنوات الأخيرة،
بدأ التحول نحو الطاقة المتجددة يفرض نفسه كعامل رئيسي في تحديد الطلب المستقبلي، خصوصًا في أوروبا وأميركا الشمالية. ورغم هذا
الاتجاه، تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن النفط سيظل يمثل أكثر من 27% من مزيج الطاقة العالمي حتى عام 2040، مدفوعًا بالنمو
السريع في اقتصادات آسيا وإفريقيا التي ما زالت تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
رابعًا: التوقعات المستقبلية
تتباين التوقعات بشأن مسار أسعاره في السنوات المقبلة:
وفق تقديرات غولدمان ساكس وبنك أوف أمريكا، قد يتراوح سعر البرميل بين 75 و95 دولارًا خلال عامي 2026–2027.
في حال حدوث اضطرابات جيوسياسية أو نقص مفاجئ في الإمدادات، قد تتجاوز الأسعار 100 دولار للبرميل.
أما في سيناريو الاستقرار السياسي وتسارع التحول نحو الطاقة النظيفة، فقد تستقر الأسعار ضمن نطاق 60–70 دولارًا كمنطقة توازن جديدة.
الخلاصة
يبقى النفط مرآة دقيقة للعلاقات الدولية، يعكس كل تحول سياسي أو اقتصادي على الفور.
ومهما تقدّمت تقنيات الطاقة المتجددة، فإن العامل السياسي سيظل المحرّك الأكبر لسوق النفط العالمي، سواء من خلال قرارات الإنتاج،
أو عبر توترات الممرات البحرية، أو من خلال سياسات الدول الكبرى في إدارة مواردها واستراتيجياتها الطاقوية.

