الذهب في مسار صاعد تاريخي مدعومًا بالبنوك المركزية ومخاوف الاقتصاد العالمي
واصلت العقود الآجلة للذهب ارتفاعها خلال تعاملات الولايات المتحدة يوم الجمعة، في ظل زخم قوي يعكس تزايد الطلب الاستثماري والتحوطي عالميًا، حيث جرى تداول عقود فبراير على بورصة كومكس عند مستوى 4,556.45 دولار للأونصة، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 1.19%، بعدما لامست خلال الجلسة مستوى 4,583.75 دولار، وهو أعلى مستوى لها حتى الآن. وتظهر المستويات الفنية أن الذهب يجد دعمًا رئيسيًا قرب 4,367.90 دولار، في حين تتركز المقاومة عند 4,583.75 دولار للأونصة
وجاء هذا الأداء في وقت تحرك فيه مؤشر الدولار الأميركي بشكل محدود، مسجلًا ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.03% ليستقر قرب 97.71 نقطة، ما عكس حالة من التوازن في سوق العملات دون أن يشكل ضغطًا فعليًا على أسعار المعادن النفيسة. وفي السياق ذاته، شهدت المعادن الأخرى موجة صعود قوية، إذ قفزت الفضة بنسبة 8.38% لتتداول عند 77.69 دولارًا للأونصة، فيما ارتفع النحاس بنسبة 4.33% إلى 5.82 دولار للرطل، مدعومًا بتوقعات تحسن الطلب الصناعي العالمي
وعلى صعيد أسواق الطاقة، ارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي خلال الجلسة الأميركية بنسبة 3.18% لتصل إلى 4.38 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بعد تسجيل قمة يومية قرب 4.42 دولار، مع تمركز الدعم عند 3.797 دولار والمقاومة عند 4.593 دولار. في المقابل، تعرضت أسعار النفط لضغوط بيعية واضحة، حيث تراجع خام غرب تكساس الوسيط إلى حدود 57.23 دولارًا للبرميل بانخفاض 1.92%، كما هبط خلال التداولات الأوروبية بنحو 0.82%، بينما انخفض خام برنت بنسبة 0.90% ليستقر عند 61.68 دولارًا للبرميل، مع اتساع الفارق السعري بين برنت وWTI إلى 3.81 دولارات للبرميل
ويعكس هذا الأداء المتباين في الأسواق استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، إلى جانب التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأميركية، وهي عوامل أساسية دعمت صعود الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 4,500 دولار للأونصة خلال عام 2025. ووفق تقديرات بنك جي بي مورغان، فإن هذا الزخم لم يبلغ ذروته بعد، حيث يتوقع البنك أن تمهد مصادر طلب جديدة، أبرزها شركات التأمين الصينية وقطاع العملات الرقمية، الطريق أمام الذهب لاختراق مستوى 5,055 دولارًا للأونصة بحلول نهاية عام 2026.
ويشير البنك إلى أن إجمالي الطلب الاستثماري وطلب البنوك المركزية بلغ نحو 980 طنًا خلال الربع الثالث من 2025، بزيادة تتجاوز 50% مقارنة بمتوسط الأرباع السابقة، وهو ما يعادل تدفقات مالية تقارب 109 مليارات دولار عند متوسط أسعار ذلك الربع. وترى ناتاشا كانيفا، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في جي بي مورغان، أن مسار صعود الذهب قد لا يكون خطيًا، إلا أن العوامل الهيكلية الداعمة لإعادة تسعير المعدن النفيس نحو مستويات أعلى لا تزال قائمة وبقوة
ويعتمد السيناريو الصعودي، بحسب البنك، على استمرار الطلب الفصلي فوق مستوى 350 طنًا، حيث تشير النماذج إلى أن كل زيادة إضافية بمقدار 100 طن فوق هذا المستوى قد تترجم إلى ارتفاع فصلي يقارب 2% في سعر الذهب. كما يتوقع أن تبقى البنوك المركزية عنصر دعم رئيسي للسوق، مع ترجيحات بأن تبلغ مشترياتها نحو 755 طنًا خلال 2026، وهو مستوى يقل عن ذروة السنوات الأخيرة، لكنه لا يزال أعلى بكثير من متوسطات ما قبل 2022
وفي ظل امتلاك البنوك المركزية عالميًا قرابة 36,200 طن من الذهب، أي نحو 20% من إجمالي الاحتياطيات الرسمية، يرى جي بي مورغان أن أي زيادة طفيفة في هذه النسبة قد تولد طلبًا إضافيًا كبيرًا قادرًا على دفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة. ومع توسع قاعدة المستثمرين، وتنامي دور الذهب كأداة تحوط ومخزن للقيمة في مواجهة تقلبات العملات والأسواق، تبقى آفاق المعدن الأصفر مفتوحة لاختبار مستوى 5,000 دولار للأونصة وربما تجاوزه خلال السنوات المقبلة

